فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والفاء في قوله تعالى: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُولواْ العزم مِنَ الرسل} واقعة في جواب شرط مقدر أي إذا كان عاقبة أمر الكفرة ما ذكر فاصبر على ما يصيبك من جهتهم أوإذا كان الأمر على ما تحققته من قدرته تعالى الباهرة {فاصبر} وجوز غير واحد كونها عاطفة لهذه الجملة على ما تقدم. والسببية فيها ظاهرة واقتصر في البحر على كونها لعطف هذه الجملة على اخبار الكفار في الآخرة؛ وقال: المعنى بينهما مرتبط كأنه قيل: هذه حالهم فلا تستعجل أنت واصبر ولا تخف إلا الله عز وجل. والعزم يطلق على الجد والاجتهاد في الشيء وعلى الصبر عليه. {مِنْ} بيانية كما في {فاجتنبوا الرجس مِنَ الاوثان} [الحج: 30] والجار والمجرور في موضع الحال من {الرسل} فيكون أولوا العزم صفة جميعهم. وإليه ذهب ابن زيد. والجبائي وجماعة أي {فاصبر كَمَا صَبَرَ} الرسل المجدون المجتهدون في تبليغ الوحي الذين لا يصرفهم عنه صارف ولا يعطفهم عنه عاطف والصابرون على أمر الله تعالى فيما عهده سبحانه إليهم أوقضاه وقدره عز وجل عليهم بواسطة أوبدونها.
وعن عطاء الخراساني. والحسن بن الفضل والكلبي ومقاتل وقتادة وأبي العالية وابن جريج. وإليه ذهب أكثر المفسرين أن {مِنْ} للتبعيض فأولوا العزم بعض الرسل عليهم السلام. واختلف في عدتهم وتعيينهم على أقوال. فقال الحسن بن الفضل: ثمانية عشر وهم المذكورون في سورة الأنعام (90) لأنه سبحانه قال بعد ذكرهم: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} وقيل: تسعة نوح عليه السلام صبر على أذى قومه طويلًا.
وإبراهيم عليه السلام صبر على الإلقاء في النار.
والذبيح عليه السلام صبر على ما أريد به من الذبح.
ويعقوب عليه السلام صبر على فقد و لده.
ويوسف عليه السلام صبر على البئر والسجن وأيوب عليه السلام صبر على البلاء.
وموسى عليه السلام قال له قومه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61] فقال: {إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] وداود عليه السلام بكى على خطيئته أربعين سنة وعيسى عليه السلام لم يضع لبنة على لبنة وقال: إنها يعني الدنيا معبرة فاعبروها ولا تعمروها.
وقيل: سبعة آدم. ونوح وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى عليهم السلام.
وقيل: ستة وهم الذين أمروا بالقتال وهم نوح. وهود وصالح وموسى وداود وسليمان. وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس.
وعن مقاتل أنهم ستة ولم يذكر حديث الأمر بالقتال وقال: هم نوح. وإبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وأيوب.
وأخرج ابن عساكر عن قتادة أنهم نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى عليهم السلام. وظاهره القول بأنهم خمسة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عنه أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وظاهره القول بأنهم أربعة وهذا أصح الأقوال.
وقول الجلال السيوطي: إن أصحها القول بأنهم خمسة هؤلاء الأربعة ونبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وأخرج ذلك ابن أبي حاتم. وابن مردويه عن ابن عباس وهو المروى عن أبي جعفر وأبي عبد الله من أئمة أهل البيت رضي الله تعالى عنهم ونظمهم بعض الأجلة فقال:
أولو العزم نوح والخليل الممجد ** وموسى وعيسى والحبيب محمد

مبني على أنهم كذلك بعد نزول الآية وتأسى نبينا عليه الصلاة والسلام بمن أمر بالتأسي به ولم يرد أن أصح الأقوال أن المراد بهم في الآية أولئك الخمسة صلى الله تعالى عليهم وسلم إذ يلزم عليه أمره عليه الصلاة والسلام أن يصبر كصبره نفسه ولا يكاد يصح ذلك. وعلى هذا قول أبي العالية فيما أخرجه عبد بن حميد. وأبو الشيخ. والبيهقي في شعب الآيمان. وابن عساكر عنه أنهم ثلاثة نوح. وإبراهيم. وهود ورسول الله صلى الله عليه وسلم رابع لهم. و لعل الأولى في الآية القول الأول وإن صار أولوا العزم بعد مختصًا بأولئك الخمسة عليهم الصلاة والسلام عند الاطلاق لاشتهارهم بذلك كما في الأعلام الغالبة فكأنه قيل: فاصبر على الدعوة إلى الحق ومكابدة الشدائد مطلقًا كما صبر إخوانك الرسل قبلك {ولاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} أي لكفار مكة بالعذاب أي لا تدع بتعجيله فإنه على شرف النزول بهم {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من العذاب {لَّمْ يَلْبَثُواْ} في الدنيا {إِلاَّ سَاعَةً} يسيرة {مّن نَّهَارٍ} لما يشاهدون من شدة العذاب وطو ل مدته.
وقرأ أبي {مّنَ النهار} وقوله تعالى: {بَلاَغٌ} خبر مبتدأ محذوف أي هذا الذي وعظته به كفاية في الموعظة أوتبليغ من الرسول. وجعل بعضهم الإشارة إلى القرآن أو ما ذكر من السورة.
وأيد تفسير {بَلاَغٌ} بتبليغ بقراءة أبي مجاز. وأبي سراج الهذلي {بَلَغَ} بصيغة الأمر له صلى الله عليه وسلم. وبقراءة أبي مجاز أيضًا في رواية {بَلَغَ} بصيغة الماضي من التفعيل. واستظهر أبو حيان كون الإشارة إلى ما ذكر من المدة التي لبثوا فيها كأنه قيل: تلك الساعة بلاغهم كما قال تعالى: {متاع قَلِيلٌ} [ال عمران: 197] وقال أبو مجاز: {بَلاَغٌ} مبتدأ خبره قوله تعالى: {لَهُمْ} السابق فيوقف على {ولاَ تَسْتَعْجِل} ويبتدأ بقوله تعالى: {لَهُمْ} وتكون الجملة التشبيهية معترضة بين المبتدأ والخبر؛ والمعنى لهم انتهاء وبلوغ إلى وقت فينزل بهم العذاب؛ وهو ضعيف جدًّا لما فيه من الفصل ومخالفة الظاهر إذ الظاهر تعلق {لَهُمْ} بتستعجل.
وقرأ الحسن. وزيد بن علي. وعيسى {بَلاَغًا} بالنصب بتقدير بلغ بلاغًا أوبلغنا بلاغًا أونحوذلك.
وقرأ الحسن أيضًا {بَلاَغٌ} بالجر على أنه نعت لنهار.
{فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون} الخارجون عن الاتعاظ أو عن الطاعة. وفي الآية من الوعيد والإنذار ما فيها. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{أَولم يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ولم يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ}.
قد قدمنا الآيات الموضحة لهذه الآية. وانها من الآيات الدالة على البعث في البقرة والنحل والجاثية. وغير ذلك من المواضع وأحلنا على ذلك مرارًا. والباء في قوله: {بقادر} يسوغه أن النفي متناول لأن فما بعدها. فهو في معنى ألي الله بقادر؟
ويوضح ذلك قوله بعد: بلى. مقررًا لقردته على البعث وغيره.
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أولو العزم مِنَ الرُّسُلِ ولا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)}.
قوله تعالى: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُولواْ العزم مِنَ الرسل}.
اختلف العلماء في المراد بأولي العزم من الرسل في هذه الآية الكريمة اختلافًا كثيرًا.
وأشهر الأقوال في ذلك أنهم خمسة. وهم الذين قدمنا ذكرهم في الأحزاب والشورى. وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليه الصلاة والسلام.
وعلى هذا القول فالرسل الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا أربعة فصار هو صلى الله عليه وسلم خامسهم.
واعلم أن اقول بأن المراد بأولي العزم جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام. وأن لفظة من. في قوله: من الرسل بيانية يظهر أنه خلاف التحقيق. كما دل على ذلك بعض الآيات القرآنية كقوله تعالى: {فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ ولا تَكُن كَصَاحِبِ الحوت} [القلم: 48] الآية. فأمر الله جل وعلا نبيه في آية القلم هذه بالصبر. ونهاه عن أن يكون مثل يونس. لأنه هو صاحب الحوت وكقوله: {ولقد عَهِدْنَا إلى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ولم نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] فاية القلم. واية طه المذكورتان كلتاهما تدل على أن أولي العزم من الرسل الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصبر كصبرهم ليسوا جميع الرسل والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {ولاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ}.
نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة. أن يستعجل لقومه. أي يدعوالله عليهم بتعجيله لهم. فمفعول تستعجل محذوف تقديره العذاب. كما قاله القرطبي. وهو الظاهر.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن طلب تعجيل العذاب لهم جاء موضحًا في آيات أخر كقوله تعالى: {وَذَرْنِي والمكذبين أولي النعمة وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} [المزمل: 11].
وقوله تعالى: {فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: 17].
فإن قوله: {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا}. وقوله: {فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: 17] موضح لمعنى قوله: {ولاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ}.
والمراد بالآيات. نهيه صلى الله عليه وسلم عن طلب تعجيل العذاب لهم. لأنهم معذبون. لا محالة عند انتها المدة المحددة للإمهال. كما يوضحه قوله تعالى: {فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم: 84] وقوله تعالى: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان: 14] وقوله تعالى: {قال وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ النار} [البقرة: 126] الآية.
وقوله تعالى: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الذين كَفَرُواْ فِي البلاد مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المهاد} [ال عمران: 196- 197] وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدنيا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العذاب الشديد بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} [يونس: 69- 70] إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النهار يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} [يونس: 45] وفي سورة قد أفلح المؤمنون في الكلام على قوله تعالى: {قالواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوبَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ العادين} [المؤمنون: 113].
وبينا في الكلام على آية قد أفلح المؤمنون وجه إزالة إشكال معروف في الآيات المذكورة.
قوله تعالى: {بَلاَغٌ}.
التحقيق إن شاء الله أن أصوب القولين في قوله: {بَلاَغٌ} أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره. هذا بلاغ. أي هذا الران بلاغ من الله إلى خلقه.
ويدل لهذا قوله تعالى في سورة إبراهيم {هذا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ ولينذَرُواْ بِهِ} [إبراهيم: 52]. وقوله في الأنبياء {إِنَّ فِي هذا لَبَلاَغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 106]. وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
والبلاغ اسم مصدر. بمعنى التبليغ. وقد علم باستقرأء اللغة العربية. أن الفعال يأتي كثيرًا. بمعنى التفعيل. كبلغه بلاغًا: أي تبليغًا. وكلمه كلامًا. أي تكليمًا. وطلقها طلاقًا. وسرحها سراحًا. وبينه بيانًا.
كل ذلك بمعنى التفعيل. لأن فعل مضعفة العين. غير معتلة اللام ولا مهموزته قياس مصدرها التفيل.
وما جاء منه على خلاف ذلك. يحفظ ولا يقاس عليه. كما هو معلوم في محله.
أما القول بأن المعنى وذلك اللبث بلاغ. فهو خلاف الظاهر كما ترى. والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَولم يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ولم يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ}.
عود إلى الاستدلال على إمكان البعث فهو متصل بقوله: {والذي قال لوالديه أفَ لكما أتَعِدَانِني} أن أُخرج وقد خلت القرون من قبلي إلى قوله: {أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين} [الأحقاف: 17. 18] فهو انتقال من الموعظة بمصير أمثالهم من الأمم إلى الاستدلال على إبطال ضلالهم في شركهم وهو الضلال الذي جرّأهم على إحالة البعث. بعد أن أطيل في إبطال تعدد الالهة وفي إبطال تكذيبهم بالقرآن وتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا عود على بدء فقد ابتدئت السورة بالاحتجاج على البعث بقوله تعالى: {ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} [الأحقاف: 3] الآية ويتصل بقوله: {والذي قال لوالديه أفَ لكما أتِعَدَانني أن أخرج} إلى قوله: {أساطير الأولين} [الأحقاف: 17].
والواو عاطفة جملة الاستفهام. وهو استفهام إنكاري. والرؤية عِلمية.
واختير هذا الفعل من بين أفعال العلم هنا لأن هذا العلم عليه حجة بينة مشاهدة. وهي دلالة خلق السماوات والأرض من عدم. وذلك من شأنه أن يفرض بالعقل إلى أن الله كامل القدرة على ما هودون ذلك من إحياء الأموات.
و وقعت {أنّ} مع اسمها وخبرها سادّة مسدّ مفعولي {يروا}.
ودخلت الباء الزائدة على خبر {أنّ} وهو مثبت وموكَّد. وشأن الباء الزائدة أن تدخل على الخبر المنفي. لأن {أن} وقعت في خبر المنفي وهو {أولم يروا}.
و وقع {بلى} جوابًا عن الاستفهام الإنكاري.
و لا يريبك في هذا ما شاع على ألسنة المعربين أن الاستفهام الإنكاري في تأويل النفي. وهو هنا اتصل بفعل منفي بـ (لم) فيصير نفي النفي إثباتًا. فكان الشأن أن يكون جوابه بحرف (نعم) دون {بلى}. لأن كلام المعربين أرادوا به أنه في قوة منفي عند المستفهم به. ولم يريدوا أنه يعامل معاملة النفي في الأحكام.
وكون الشيء بمعنى شيء لا يقتضي أن يعطَى جميع أحكامه.
ومحل التعجيب هو خبر {أنّ} وأما ما قبله فالمشركون لا ينكرونه فلا تعجيب في شأنه.
و وقوع الباء في خبر {أنّ} وهو {بقادر} باعتبار أنه في حيّز النفي لأن العامل فيه وهو حرف {أنّ} وقع في موضع مفعولي فِعل {يروا} الذي هو منفي فسرى النفي للعامل ومعمو له. فقرن بالباء لأجل ذلك. وفي الكشاف قال الزجاج لوقلت: ما ظننت أن زيدًا بقائم جاز. كأنه قيل: أليس الله بقادر. اهـ.
قال أبو عبيدة والأخفش: الباء زائدة للتوكيد كالباء في قوله: {وكفى بالله شهيدًا} [النساء: 79] يريدان أنها زائدة في الإثبات على وجه الندور.
وأما موقع الجواب بحرف {بلى} فهو جواب لمحذوف دل عليه التعجيب من ظنهم أن الله غيرُ قادر على أن يحيي الموتى. فإن ذلك يتضمن حكاية عنهم أن الله لا يحيي الموتى. فأجيب بقوله: {بلى} تعليمًا للمسلمين وتلقينًا لما يجيبونهم به.
وحرف {بلى} لما كان جوابًا كان قائمًا مقام جملة تقديرها: هو قادر على أن يحيي الموتى.
وجملة {ولم يَعْيَ بخلقهن} عطف على جملة {الذي خلق السماوات والأرض}.
وقوله: {لم يعييَ} مضارع عَيِيَ من باب رضي. ومصدره العِيّ بكسر العين وهو العجز عن العمل أو عن الكلام. ومنه العيّ في الكلام. أي عسر الإبَانِة.
وتعديته بالباء هنا بلاغة ليفيد انتفاء عجزه عن صنعها وانتفاء عجزه في تدبير مقاديرها ومناسباتها. فكانت باء الملابسة صالحة لتعليق الخلق بالعي بمعنييه.
وكثير من أئمة اللغة يرون أن العِيّ يطلق على التعب وعن عجز الرأي وعجز الحيلة.
وعن الكسائي والأصمعي: العِيُّ خاص بالعجز في الحيلة والرأي.
وأما الإعياء فهو التعب من المشي ونحوه. وفعله أعيا. وهذا ما درج عليه الراغب وصاحب «القاموس».